العربية
ولادةُ فصلِ الشِّتاءِ "كانونُ وقِصَص الشِّتاءُ"
طقس العرب - يُصادِفُ يومُ الأَحدِ 21/12/2025 موعدَ الانقلابِ الشِّتويِّ وولادةَ فصلِ الشِّتاءِ، لتبدأَ ظاهرةُ أَقصرِ يومٍ في السَّنةِ، بعددِ ساعاتٍ للنهارِ عَشْرُ ساعاتٍ وثلاثُ دقائق، وأَطولِ ليلٍ في السَّنةِ وفقًا للسيد سعد البخاري.
لكن، وِفقًا للموروثِ الشَّعبيِّ، فإنَّ موعدَ مربَعانيَّةِ الشِّتاءِ ثابتٌ، يبدأ من كلِّ عامٍ في 23 كانون الأوَّل، وينتهي في 31 كانون الثَّاني، بمدَّةِ أربعينَ يومًا: تسعةُ أيَّامٍ من كانون الأوَّل، وواحدٌ وثلاثونَ يومًا من كانون الثَّاني.
ويُقسَّمُ فصلُ الشِّتاءِ إلى قسمين:
المربَعانيَّة: واسمُها يدلُّ على عددِ أيَّامِها، أي أربعينَ يومًا.
الخَماسينيَّة: وتُستدلُّ مُدَّتُها من اسمِها أيضًا، أي خمسينَ يومًا، وتُسمَّى كذلك فترةَ السُّعودات.
الفَرقُ بين الانقلابِ والاعتدالِ
الانقلاب: يحدثُ في فَصليِ الشِّتاءِ والصَّيفِ، حيثُ تختلفُ ساعاتُ اللَّيلِ عن ساعاتِ النَّهارِ.
الاعتدال: يحدثُ في فَصليِ الرَّبيعِ والخريفِ، حيثُ تتساوى ساعاتُ اللَّيلِ والنَّهارِ.
أمَّا البلدانُ الواقعةُ على خطِّ الاستواءِ، فتتساوى فيها ساعاتُ اللَّيلِ والنَّهارِ طوالَ العامِ، بغضِّ النَّظرِ عن الفصلِ، وهو السَّببُ في تسميتِه خطَّ الاستواء.
المربَعانيَّة في الموروثِ الشَّعبيِّ
من أقوالِنا الشَّعبيَّةِ وحكاياتِ الأجدادِ في بلادِ الشَّام قيل في المربَعانيَّة:
"يا بتِربِّعْ يا بتِقبِّعْ"
"يا شمسُ تَحرِقْ يا مطرُ يُغرِقْ"
وقالوا: "يا ربِّ نجِّنا من نَزلةِ المربَعانيَّة"
وتُعتبَرُ مربَعانيَّةُ الشِّتاءِ أَبردَ أيَّامِ السَّنةِ، وبدايةَ موسمِ هُطولِ الأَمطَارِ والثُّلوجِ، حيثُ تُشكِّلُ أَمطارُها نحو 30٪ من مُعدَّلِ الموسمِ المطريِّ.
الكَوانين في الموروثِ الشَّعبيِّ
الكَوانين (كانونُ الأوَّل وكانونُ الثَّاني) هما رمزُ البَردِ القارسِ في الموروثِ الشَّعبيِّ، وتدورُ حولَهما الكثيرُ من الأَمثالِ والحِكَمِ المتعلِّقةِ بالاستعدادِ لفصلِ الشِّتاءِ.
كانونُ الأوَّل (ديسمبر): يُعرَفُ شعبيًّا بـ «الأَجرَد»، حيثُ تتجرَّدُ فيه الأَشجارُ من أَوراقِها، وهو الشَّهرُ الثَّاني عشر من السَّنةِ الميلاديَّةِ حسب الأَسماءِ السُّريانيَّةِ المستعمَلةِ في المشرقِ العربيِّ.
كانونُ الثَّاني (يناير): يُعرَفُ بـ «الأَصمِّ»، لوصفِ شدَّةِ بردِه الذي «يَصُمُّ الآذان»، وهو الشَّهرُ الأوَّل من السَّنةِ الميلاديَّةِ ويُطلَقُ على كانونِ الأوَّل أحيانًا «كانونُ الصَّغير»، وعلى كانونِ الثَّاني «كانونُ الكبير.
أصلُ التسمية الأصل اللغوي والمعنى:
(كِنّ) أي الاستقرار:
يُرجِّح الباحثون أنَّ الاسمَ مُشتقٌّ من الجذر « كِنّ »، ومعناه الثبوتُ والاستقرارُ، وسُمِّيَ الشهران بذلك لأنَّ الناس يَكِنّون في بيوتهم، أي يَلزمونها وينقطعون عن العمل في الحقول بسبب البرد الشديد.
(الكانون) الموقد:
تعني كلمة «كانون» في اللغة السريانيّة الموقد أو المدفأة، ويُطلَق عليهما الكَوانين إشارةً إلى ذروة الحاجة إلى التدفئة في قلب فصل الشتاء، في كانون الأول يُستَخدَم كانون واحد بينَما في كانون الثاني يُستَخدَم كانونين نظراً لشدةِ البرد.
الكانون كأداةٍ تراثيّة:
يُصنَع الكانون الشعبيّ من الطين أو الحجر في الأرياف، ومن المعدن في المدن، ويُستخدَم فيه الحطب أو الفحم، ولا يزال اسم الكانون حيًّا في بعض المناطق العربيّة لوصف مواقد الشواء والطهي التقليدي.
الفلاحون في بلادِ الشَّام:
علمُ الأرصادِ الجويّة علمٌ حديثٌ لا يزيد عمره عن 150 عامًا، أمّا الموروثُ الشعبيّ للأجداد فامتدّ لمئات السنين.
وبسبب الظروف المناخيّة والبيئيّة في بلاد الشام، قسّم الفلّاحون السنة الزراعيّة إلى فصول ومواسم، اعتمادًا على حركة الشمس والقمر وظهور النجوم.
حيث أن الحضارات الإنسانية الأولى ظهرت في بلاد الشام، ومنها خرجت الأبجدية الأولى إلى العالم القديم ، وفيها وضع التقويم السنوي المرتبط بحركة الأرض حول الشمس والقمر، كما ارتبط التقويم بظهور النجوم وتوصل الإنسان إلى وضع تقويم زمني يفيده في معرفة أوقات الزراعة، ويعد التقويم السرياني الذي وضع في بلاد الشام أقدم تقويم في العالم اليوم.
وقد أسهم انتشار المعرفة والكتابة والحساب في بلاد الشام، في وضع تقسيمات دقيقة للفصول وكانوا يحددون بداية كل فصل باليوم والساعة، ووصل الأمر إلى درجة أنه تمت الاستعانة بفلكيين من الشرق عند وضع التقويم الروماني القديم .
كما نشير بأنّ تغيّر المناخ الفصلي قَد اثرَ في أنماط حياتنا، من غذاءٍ ولباسٍ وصحّةٍ ومزاج.
قال الأزهري:
السنة أربعة أزمنة، ولكلّ زمن ثلاثة أشهر: الربيع (آذار، نيسان، أيّار)، الصيف (حزيران، تمّوز، آب)، الخريف (أيلول، تشرين الأوّل، تشرين الثاني)، الشتاء (كانون الأوّل، كانون الثاني، شباط).
تقسيمات المواسم الزراعيّة:
قسّم الفلّاحون في بلاد الشام السنة إلى ستة مواسم:
- الحراثة وزراعة الحبوب – تشرين الثاني
- موسم الأمطار – الكانونان
- الزراعة الربيعيّة – آذار، نيسان، أيّار
- حصاد القمح والشعير – حزيران، تمّوز
- قطف العنب والتين – آب، أيلول
- موسم الزيتون – تشرين الأوّل وتشرين الثاني
الأمثال والحكايات الشعبيّة للكَوانين:
من أمثال الكوانين:
"غيمة كانون بتخوّف المجنون"
"ما في أنقى من قمر تشرين، ولا أعتَم من غيم كانون"
"في كانون كِنّ ببيتك وكثّر حطبك وزيتك"
"بين الكوانين وشباط، عند جارك لا تبات"
"برد الكوانين أشدّ من ضرب السكاكين"
"غيمة كانون بتخوف المجنون"
وقالوا "عرس المجانين في الكوانين"
"شمس كانون مثل الطاعون"
"في كانون كِنّ وعَلى البعير حِنّ"
كانُون لمّة العَائلة:
كانونُ في التُّراثِ الشَّعبيِّ هو «لَمَّةُ الشِّتاءِ»، حيثُ تَجتمعُ العائلةُ حولَ الكانونِ طلبًا للدِّفءِ، وتَصغي القلوبُ قبلَ الآذانِ إلى دفءِ الحوارِ والحديث.
هناك، تُروى الحكايا، وتُستعادُ القصصُ والرِّوايات، ويَرتبطُ كانونُ بطقوسِ القهوةِ والشاي، وفطورِ من الخبزِ والزيتِ والزَّعتر، والكستناءِ والذُّرةِ والبَطاطا المَشوية.
كان الأبُ مِذياعَ البيت النابض، والجميعُ يَمدّون الأيادي إلى الكانونِ ويُنصتون لكلامِ القائِد، أمّا الشاي على الكانونِ من يدِ الأمِّ فكان تاريخًا من حنانٍ لا يُنسى.
لم يكن كانونُ مجرّدَ موقدٍ للتدفئة، بل كان تراثَ محبّةٍ جمعَ العائلةَ حولَ موقدٍ واحد. ولم نكن نعلمُ أنّ يومًا ما سيأتي، ونَتمنّى فيه أن تعودَ تلك اللَّمّة الدافئة، وأن تَجمعَنا من جديدٍ قصصُ كانون.
بقَلَم: سَعْدُ البُخَارِيّ
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول