طقس العرب - أصبح الناس يربطبون بين الجوع ومشاعر الغضب بطريقة نمطية، ومع حلول شهر رمضان المبارك، يُعاني البعض من عدم القدرة على التحكم في عواطفهم خلال نهار رمضان، ما يدفعهم إلى التصرف بانفعالية وغضب أكثر مما هم عليه في الأيام العادية.
يحدث ذلك بشكل رئيسي نتيجة لتغير نمط النظام الغذائي في رمضان، وتغير ساعات النوم، وليس بسبب الصيام بحد ذاته، فللصيام فوائد عديدة، ويقول العلامة ابن القيم رحمه اللَّه: للصيام أثر عجيب في أن يحفظ جوارح الإنسان الخارجية، ويحفظ قواه الداخلية، فهو يحفظ القلب وكل الجوارح، ويُرجعها كيوم ولدت.
وقد أظهرت الإحصائيات زيادة نسبة حوادث السير قبل الإفطار مباشرة بسبب الانفعال أثناء قيادة السيارة، ويقول الأطباء ومختصو التغذية أن ما يتناوله الصائم في وجبتي الفطور والسحور يلعب دورًا هامًا في تقلبات مزاج الشخص، وللتقليل من هذه التقلبات المزاجية والعصبية لا بدّ من معرفة أسبابها وطرق التقليل من حدتها.
أسباب تقلبات المزاج أثناء الصيام
يكمن التحدّي الأكبر في رمضان عند البعض في قدرتهم على ضبط النفس والحفاظ على هدوئهم ورباطة جأشهم طوال فترة الصيام، أكثر من قدرتهم على الامتناع عن الطعام والشراب، وخاصة في أيام رمضان الأولى عندما لا يكون الجسم معتادًا على تغير النمط الغذائي.
يحوّل جسم الانسان الطعام المُتناول إلى أحماض أمينية ودهون وسكريات بسيطة، وعندما تنفذ تلك المعونات يبدأ الجسم بإصدار تنبيهات، ما يؤدي إلى رد فعل فسيولوجي للجسم لما يحدث داخله عندما يحتاج للطعام.
وبعد عدّة ساعات من الصيام يُطلق الجسم عددًا من المواد الكيميائية لحماية نفسه من الآثار السلبية المرتبطة بالامتناع عن تناول الطعام لفترة من الوقت، وتُسبب هذه المواد الكيميائية الشعور بالجوع والغضب المرتبط بتأخير وجبات الطعام، فيمر الجسم أثناء الصيام بعددٍ من التغيرات الفسيولوجية التي تسبب تقلبات المزاج، وتتلخص أسباب تلك التقلبات المزاجية فيما يأتي:
- الإدمان على تناول المشروبات الغنية بالكافيين مثل: الشاي والقهوة والمشروبات الغازية، مما يجعل الصائم يشعر بالاضطراب وانخفاض الطاقة الإنتاجية والغضب بسبب انخفاض مستوى الكافيين في جسمه.
- عدم الحصول على قدر كافٍ من النوم، والسهر لساعات طويلة وتعويض النوم خلال ساعات النهار، مما يُسبب خللًا في الساعة البيولوجية للجسم.
- الإحساس ببعض الأعراض الجسمية التي قد تزيد مع الصيام مثل: حموضة المعدة وعسر الهضم واضطراباتها والصداع والكسل وانخفاض الطاقة.
- تغير النظام الغذائي بشكلٍ جذري، مما يُسبب اضطراب في المزاج بالإضافة إلى اضطرابات في الصحة النفسية.
- زيادة الكيتونات، حيث يستخدم هذه المادة الكيميائية كي يحمي الدماغ من نقص الجلوكوز الناتج عن الصيام، مما يُسبب زيادة إفراز الكيتونات، وهذا يُسبب بعض التغيرات المزاجية، وخاصة في بداية أيام الصيام.
- الالتهام الذاتي، وهي عملية مفيدة تحدث أثناء الصيام، حيث يُساعد الصيام في تخلص الجسم من الفضلات والخلايا التالفة، مما يُعزز إفراز عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF) وهو بروتين يزداد أثناء الصيام، ويتفاعل هذا البروتين مع العديد من الخلايا العصبية في أجزاء من الدماغ التي ترتبط بالذاكرة والتعلم والإدراك.
الجانب الإيجابي الذي أثبتته الدراسات والتجارب أنّ التأثيرات النفسية السلبية تظهر في الأيام الأولى من الصيام، ثم ما يلبث أن يعتاد الجسم على هذا النمط من تناول الطعام، فتبدأ الأمور بالتحسن، ويحدث خمس تحسينات نفسية وهي:
- الحماية من الاضطرابات العصبية التنكسية: وجدت الأبحاث أن زيادة الكيتونات تحمي من الاضطرابات العصبية التنكسية.
- زيادة الذاكرة والإدراك والتعلم: لأن زيادة BDNF تمنع فقدان الذاكرة وموت الخلايا العصبية والضعف الإدراكي.
- تحسن النوم: إذ أوجدت الأبحاث أن الصيام بعد ثمانية أيام يحسن نوم المشاركين بشكل ملحوظ مقارنة بنومهم قبل الصيام.
- التخلص من الاكتئاب والقلق: إذ وجد أن الجسم عندما يعتاد على الصيام تقل أعراض القلق، خاصة أن الصيام يرفع نسبة BDNF، وارتبطت المستويات المنخفضة من BDNF بأعراض اكتئاب أعلى، المستويات الأعلى من BDNF مرتبطة بأعراض اكتئاب أقل.
- بعد مضي مدة على الصيام تؤدي زيادة BDNF إلى انخفاض السيتوكينات الملتهبة وزيادة البروتينات التي تقي من التأثيرات العصبية.
نصائح صحية تساعد تجنب الانفعال وتقلب المزاج أثناء الصيام
علينا أن ندرك أولا الأجر العظيم الذي يُجزى به الصائم، وهي عبادة تُهذب النفس والأخلاق، لذا يحرص المسلم على أن يتم صيامه كما يرضى الله تعالى، وفيما يلي بعض النصائح الصحية لتعين الصائم على تجنب تقلب المزاج في نهر رمضان:
- تنظيم ساعات النوم لضمان الحصول على قدرٍ كافٍ من الراحة أثناء الليل، وعدم النوم لفترات طويلة في النهار وخاصة فترة العصر.
- تناول وجبة سحور صحية واضافة بعض الأطعمة التي تمنح الإحساس بالهدوء مثل: الفراولة والشوكولاتة الداكنة وبعض المشروبات مثل: منقوع البابونج واليانسون.
- تناول الأطعمة التي تحتوي على الكربوهيدرات المعقدة والحبوب الكاملة مثل: الشوفان والأرز البني، والأطعمة النية بالألياف مثل الفواكه والخضروات الورقية، وتساهم هذه الأطعمة بإمداد الجسم بالسكريات ببطء، مما يحافظ على استقرار الهرمونات في الدم.
- التقليل قدر الإمكان من الأطعمة التي تحتوي على السكريات المكررة مثل: المشروبات السكرية والخبز الأبيض والبيتزا والكعك.
- شرب كميات كافية من الماء ما بين السحور والفطور لأن جفاف الجسم يُسبب تقلب المزاج والشعور بالإحباط ويُسبب الصداع الذي ينعكس أثره على المزاج بشكلٍ سلبي.
- تجنب الأطعمة التي تُسبب حموضة المعدة مثل: الأطعمة المقلية والحارة وغيرها، لأن حموضة المعدة أيضًا تُسبب تقلبات المزاج.
- ممارسة بعض التمارين الرياضية التي تخلص الجسم من الطاقة السلبية وتزيد من نشاطه وإفراز الهرمونات التي تحسن المزاج.
- تناول الأطعمة الغنية بفيتامين ب لقدرتها في الحفاظ على سلامة الجهاز العصبي والوقاية من التوتر مثل: التمر والبطاطا الحلوة.
- تناول الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم لقدرتها في خفض الإجهاد والتوتر مثل: الموز واللبن الزبادي والفاصولياء الحمراء.
- تناول الأطعمة الغنية بحمض الفوليك مثل: السبانخ والفراولة، لقدرة حمض الفوليك على تعزيز الشعور بالسعادة.
- تناول الأطعمة الغنية بالمغنيسوم واليوريدين مثل الشمندر والشوكولاتة الداكنة، لقدرتها على محاربة الاكتئاب.
نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في رمضان ويعيننا على الصيام والقيام وصلة الأرحام، واغتنام موسم الخير بمزاج هادئ
اقرأ أيضا: ما هو أفضل وقت للرياضة في رمضان ونصائح ممارستها
العربية
